عمان ـ ضحى أبو سماقة
يقرع الجرس معلناً بدء الحصة الصفية في مدرسة الغْبيّة الأساسية جنوب عمّان، تبدأ معلمة العلوم سناء السلاق الحصة الصفية بتقسيم اللوح قسمين، واحد للصف الثالث وآخر للصف الرابع، تقف في منتصف الغرفة الصفية وتقول: “يلا يا رابع، حضروا الدرس، حتى أخلص من شرح درس صف ثالث”.
يبدأ طلاب الصف الرابع بتقليب أوراق الكتاب بحثاً عن الدرس، منهم من يقرأه، والآخر يسرح مع معلمته في درس قد مر عليه سابقاً، تمر عشرة دقائق فتطلب من الصف الثالث حل مسألة رياضية، لتبدأ شرح درس للصف الرابع.
حال يتكرر في 284 مدرسة حكومية من إجمالي 3545 حسب إحصائية عام 2013، صفوف من مستويات مختلفة في غرفة صفية واحدة، وتتركز تلك المدارس التي تشمل صفوفاً مجمعة، وفقاً لإحصائيات وزارة التربية والتعليم في مناطق البادية الأردنية، إذ بلغ عددها 51 مدرسة في البادية الوسطى، و46 في البادية الشمالية، و12 في البادية الجنوبية.
في المدرسة ذاتها بصفوفها الضيقة ذات العدد المحصور ومقاعدها المكسرة وغياب المختبرات التعليمية وأجهزة الحاسوب، يعبّر الطالب أيهم القيسي (9 سنوات) باستغراب وذهول، عن رأيه في تواجده في صف يدرّس طلاباً أصغر منه سناً، ويقول: “مش عارف ليش حطونا مع بعض، بتخربط كثير لما تشرح المعلمة للصف الثالث”.
تبرر وزارة التربية والتعليم على لسان مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي الدكتور محمد أبوغزلة سبب اللجوء إلى المدارس المجمعة، بقوله: “إنه خيارٌ تلجأ إليه الوزارة لقلة أعداد الطلاب، ولأنهم يسكنون في مناطق نائية بعيدة عن المدراس الكبيرة”.
وينتقد المشرف التربوي أحمد الرقب الاعتماد على الصفوف المجمعة في التدريس، قائلا: “الطالب لا يأخذ حقه في الحصة الكاملة، يأخذ نصف حصة أو أقل، فالحصة المدرسية عبارة عن 45 دقيقة، وتقسم على صفين أو ثلاثة صفوف مجمعة حسب المدرسة”، فيما يرى أن إدارة الصفوف المجمعة تتطلب مهارة عالية من المعلم لكي يتم إعطاء الطلاب حقهم التعليمي.
وذكّر الناشط في حقوق الإنسان الدكتور علي الدباس بالحقوق الأساسية للطفل، لافتاً إلى حقه في التعليم بوصفه جزءاَ من الحقوق الأساسية، التي نصت عليها اتفاقية حقوق الطفل.
وبيّن الدباس أن المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، نصت على حق الجميع في التعليم خصوصاً في المرحلة الابتدائية وكونه إلزامياً ومجانياً.
وقال الدباس: “ذلك يعني أن الدولة ملزمة بتوفير التعليم وفق إمكانياتها، وعليها أن تطور منها حتى تصل في تطبيق هذه الحقوق إلى أقصى مدى ممكن”.
نسي علي العجارمة (8 سنوات) في أي صف يدرس، ولكن ظروف المدرسة حكمت أن يكون في صف مجمع، فقال: “أنا بالصف الرابع”، وبعد ضحك زملائه، استدرك بخجل أنه في الصف الثالث.
فيما دعاء مصطفى (8 سنوات) عبّرت: “المعلمة بتتعب وبنسمع اللي بتحكيه وما بحب أسمع شرح صف رابع لأنهم أكبر مني، حابة نكون مدرسة حلوة وكبيرة”.
ولمس أولياء الأمور تفاوتاً في المستوى التعليمي بين أبنائهم في الصفوف المجمعة وأولئك الذين يدرسون في صفوف اعتيادية، كما تقول أم عبدالله عن أبنائها في مدرسة قرب منطقة أم البساتين.
وشرحت الصعوبات التي تواجهها في تدريسهم، قائلةَ: “أشعر أن ابني الذي يدرس في صف سادس مجمع مع صف خامس ينشغل عن الدراسة، وأن وجوده في صف من عمره سيكون أفضل له وللمعلمة، فالصف المجمع ليس بالأمر الجيد لهم”.
وتتابع أم عبدالله حديثها بنبرة من الامتعاض: “لدي ابنتين انخفض مستواهما التعليمي عند وجودهما في صفوف مجمعة”، متسائلةً: “كيف يستفيد الطلاب في هكذا ضغط يُفرض على المعلمة ضمن وقت ضيق؟”.
وتتفق المعلمة نور شبانات مع ما ذهبت إليه أم عبدالله، وقالت: “الصفوف المجمعة تحتاج إلى معلم صاحب مهارة عالية، ولهذا فضلت عدم تدريسها لأنني لا أملك المقدرة العالية على إدارة صفين في آن واحد، ومن واجبي عدم إضاعة أية ثانية على الصف”.
وأضافت: “فضلت تدريس الصف الأول، على الرغم من أن تخصصي لغة عربية، على تدريس الصفوف المدمجة”.
وتجد المعلمة سناء السلاق، التي تدرس العلوم والرياضيات، أن أبرز الصعوبات التي تواجهها تكمن في تعليم الطلاب الذين يعانون من ضعف في التحصيل، وأضافت: “بعد 14 عاماً من تدريس الصفوف المجمعة تعودت على نمط تدريسه على الرغم من اختلاف قدرات الطلاب التي أتعامل معها، حيث أجد أنه من الظلم وجود الطلاب في صف مجمع والطالب لا يأخذ حقه”.
وبالنسبة للأسلوب والاستراتيجية التي يتبعها المعلم تقول معلمة اللغة الانجليزية رولا الفايز: “أعتمد أسلوب إشغال صف وإعطاء المعلومات للصف الآخر، ونحاول بأقصى جهد إكمال المنهاج مع انتهاء العام الدراسي”.
ويتشابه هذا الأسلوب مع معلمة اللغة العربية والتربية الإسلامية عروبة الخطبا، التي شَكَتْ: “وجود صفين في غرفة واحدة هي مشكلة، إضافة الى الطلاب ضعيفي التحصيل والذين يعتبرون صفاً ثالثاً بالنسبة لي”.
وفيما يتعلق بالأنشطة اللامنهجية والتي تهدف إلى تعزيز قدرات الطلاب، قالت الخطبا: “مشكلة الوقت تحرمنا من إعطاء الأنشطة اللامنهجية، لذا أحاول إهمالها، لأركز على القراءة والإملاء خاصة للصف الثالث، فوجودهم في صف مجمع اعتبره ظلماً لهم، فلديهم بطء في الاستيعاب، وهم في مرحلة تأسيسية”.
لم تختلف المديرة ميثاء القعدان مع ما ذكرته معلمات المدرسة ذاتها، لكنها ذكرت أن النظام له جوانب أخرى، قائلة: “برأيي هناك إيجابيات، خاصة في الصفوف الأساسية، فعندما يكون على سبيل المثال الصف الرابع ضعيفاً يستفيد من حصص الصف الثالث، والأذكياء من الصف الثالث يستوعبون معلومات الصف الرابع، وهذا يزيد من قدرتهم على الاستيعاب والاطلاع”.
أما بالنسبة للسلبيات فتقول: “الطلاب ضعيفو التحصيل العلمي لا يكون هناك أي مجال للتركيز عليهم”، وتضيف: “طالبنا وزارة التربية بغرف جديدة ووعدونا على الموازنة الجديدة في حال توفر الإمكانيات”.
وبينت القعدان، أن المعلمات في مدرستها، اعتدن هذا النظام التعليمي وتكيفن معه، مسترسلة: “المعلمات تعودن على توزيع الوقت، كما أن التربية توفر دورات لكيفية تدريس الصف المجمع، وأن نجاح الصف المجمع يعتمد على وجود معلم متمرس وقادر على تجاوز العقبات اللوجستية وتحتاج بالدرجة الأولى إلى انتماء”.
رأى أستاذ علم الاجتماع التربوي في جامعة البلقاء التطبيقية د.حسين الخزاعي أن تأثير هذا التنظيم نفسي واجتماعي وتعليمي وتربوي، معلقاَ: “هذه الصفوف عديمة الفائدة، لأن فيها تشتيتاً لانتباه الطالب فكرياً وعلمياً وبصرياً، وجهداً ضائعاً على المعلم والطالب، وتضع الطالب في نفسية وأجواء من عدم الراحة والتوتر والقلق وحتى الخجل”.
ويقترح الخزاعي حلولاً بديلة عن هذا النظام من إمكانية اللجوء إلى الدوائر الحكومية وتبديل البرامج (نظام الفترات) والتي تضمن عدم التشتيت لا سيما في المراحل التأسيسية وفقاً للخزاعي.
وتفاجأ مدير برنامج التعليم للجميع في جمعية إنقاذ الطفل (Save The Children) ساطع القضاة، باستمرار اتباع هذا النظام التعليمي، وقال إن وظيفتهم في الجمعية هي خدمة الطلاب (6 – 12سنة)، من ناحية إيجاد البيئة الآمنة لهم تعليمياً بأقرب وأسهل الطرق، ولكن لا يكفي تأمين المدرسة، إنما هناك ضرورة في توفير بيئة صفية سليمة، ووجود هذه الصفوف يتنافى مع هذا المبدأ.
هذا وتُتبع عند البعض أسس ومعايير في تقييم معلم الصفوف المجمعة كما يفعل المشرف التربوي أحمد الرقب، فعند إشرافه على الحصة، يركز على كيفية تعامل المعلم مع طلاب الصف المجمع، ويتوجب على المعلم أن يكون عادلاً في توزيعه وطريقة شرحه بأسلوب يختلف عن المعلم في الصف الاعتيادي.
مضيفاَ: “أركز أيضاً على كيفية تجنب المعلم للنقاشات الإضافية ليؤدي المنهاج المطلوب، والذي يحرمه من التوسع في أحد المواضيع وإدارة الموقف الصفي بشكل متكامل، ويحاول قدر الإمكان أن يحقق حداً أدنى للأهداف المرجوة للحصة المدرسية”.
ويتساءل الناشط في حقوق الإنسان د.علي الدباس: “هل الحكومة الأردنية غير قادرة على توفير التعليم للطلاب كافة في صفوف حقيقية وليست صفوفاً مجمعة؟”.
ويعتقد الدباس أنه “بعدما وصل إليه الأردن من تقدم، سواء في الحياة الاقتصادية والسياسية، يجب أن يكون هناك صف مستقل لكل مرحلة، وأن الدولة التي استطاعت أن تستوعب إخواننا اللاجئين على مدار سنتين، قادرة على توفير صفوف إضافية بدلاً من الصفوف المجمعة”.
وعند التطرق للسياسات البديلة والحلول التي تعمل عليها وزارة التربية والتعليم، وضح مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي في وزارة التربية والتعليم د. محمد أبو غزلة أن “الوزارة تسعى إلى إعادة إحياء فكرة قديمة، وهي المدارس الشاملة أو المركزية، والتي تقوم على أساس تجميع الطلبة من القرى التي يكون عدد الطلاب فيها من 10 – 15 طالباً، وتبنى في قرية متوسطة لعدد من القرى وتحتوي على كافة التجهيزات التعليمية، وأن إحياء هذه الفكرة يتزامن مع توعية إعلامية شاملة للأهالي للترويج لها وإقناعهم بها، وتفادي التراجع في نوعية التعليم”.
وتطرق أبو غزلة إلى البيئة الاجتماعية السائدة في المناطق النائية والتي تهيئ الطلاب لرفض فكرة الاندماج مع المناطق الأخرى، على الرغم من عدم وجود المرافق والتجهيزات والبيئة التدريسية السليمة فيها، وقال: “الطلاب من أبناء عائلة وعشيرة واحدة، لذلك نلاحظ انعدام التعلم من الأقران ولا يوجد أجواء تعلم تنافسي”. وأوضح أبو غزلة أن هذه الأسباب أدت إلى زيادة نسبة المدارس التي لم ينجح فيها طلاب في الثانوية العامة، كون الطلبة لا يختلطون بأقرانٍ من بيئات تعلم مختلفة.
هل تؤيد وجود عطلة للمدرسة في فصل الربيع لاسبوع او اسبوعين
استفتاء لمعالي وزير التربية والتعليم الدكتور وليد المعاني على صفحته في تويتر...ما رأيك أنت ؟ ....
03/03/2019
التربية تلغي النجاح التلقائي وتعيد النظر في اسس النجاح للعام الدراسي المقبل.... هل انت مع الغاء النجاح التلقائي ؟ أم ضده ؟ وماذا تقترح في سبيل رفع سوية التعليم للمرحلة الإلزامية
03/07/2014